المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا المرجو الانتظار قليلا سوف يتم التوجيه الى المدونة الجديدة وشكرا

إنظم لصفحتنا على الفيس بوك

المرجوا إنتظار 30 ثانية تجاوز

الثلاثاء، 18 يونيو 2013

بقلم: د.نافذ الشاعر بين الصداقة والحب

بين الصداقة والحب بقلم: د.نافذ الشاعر


بين الصداقة والحب
بقلم: د.نافذ الشاعر

كتبت هذا المقال بعد حوار دار بيني وبين الأديبة المتميزة حوا بطواش، حيث قالت بما معناه:
(إن الصداقة تكاد تكون معدومة هذه الأيام لأن الحب أسهل من الصداقة بكثير.. لأن الصداقة تعني: الصدق والثقة والتفاهم والارتياح والاطمئنان والتواصل وتبادل المشاعر والأفكار والبوح بالأسرار.. وكل هذه الأمور تكاد تكون نادرة هذه الأيام؛ لأن الصداقة درجة أعلى من الحب بكثير، ولا يمكن الوصول إليها بسهولة ويسر. فالإنسان يمكن أن يجد الحب مرات عديدة في حياته، ولكنه ربما لا يجد الصداقة الحقيقية مرة واحدة في حياته..)أ.هـ

وهذا القول دفعني لتناول هذا الموضوع بالتحليل والتفصيل، حيث أننا نجد أن الصداقة بين الرجل والرجل صعبة التحقق والتكون، وغالبا لا يرحب الرجل بصداقة رجل مثله، إلا إذا كانت تربطه به مصلحة أو منفعة، فنعتقد أن تلك صداقة لكنها في حقيقة الأمر صحبة وليست صداقة، والصحبة غالبا ما تقوم على منافع متبادلة ومصالح مشتركة، على عكس الصداقة التي غالبا ما تقوم على منافع روحية.. 
أما الصداقة بين الرجل والمرأة فهي سهلة الوجود سريعة النشوء، لكنها ما تلبث أن تنحرف عن مسارها الصحيح؛ فتتحول إلى حب وعشق، إما من طرف واحد، أو من الطرفين جميعا؟

وعندما تنشأ صداقة بين رجلين، فلابد أن يكون في كل من الصديقين أخلاق سامية ومزايا عزيزة غالية.. فيشعران أن كلا منهما محتاج إلى الآخر كاحتياج الأرض العطشى إلى القطر النازل من السماء.. وهذه قلما تتحقق أيضا لأنه قد يكون في كل منهما مزايا وصفات، لكن سرعان ما ينشأ بينهما الغيرة والحسد والتنافس والتضاد..
وكلما كان الشخص صاحب نفس عالية وروح شفافة صافية، كلما كانت صداقته صداقة حقيقية، وامتلأت نفسه بروح صديقه، حتى لا يبقى في قلبه متسع لصديق آخر، أو لصداقة أخرى، إنما يتسع قلبه لأصحاب آخرين وليس لأصدقاء آخرين. 
فالشخص صاحب الروح الشفافة والقلب الصادق الود لا يمكن أن يتسع قلبه في نفس الوقت لأكثر من صديق، إنما هو صديق واحد فقط يملأ قلبه ويتخلل إلى ثنايا روحه.. وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ..) النور61 
كان المنطقي أن تقول الآية (أصدقائكم) بالجمع وليس صديقكم بالمفرد، لأن كل الأصناف المذكورة في الآية السابقة جمع وليس مفرد.. ولكن الآية ذكرت أنه صديق واحد وليس هم أصدقاء عديدين.. 

أما الصحبة فهي أقل درجة من الصداقة، فإذا ارتفعت الصحبة في الدرجة تحولت إلى صداقة. وعلى هذا، فالصداقة أخص من الصحبة، لأن كل صداقة متضمنة للصحبة، ولكن ليس كل صحبة متضمنة للصداقة.. 
ويمكن للشخص أن يصاحب أكثر من صاحب أو أصحاب كثيرين في نفس الوقت، ولكنه لا يمكن أن يصادق أكثر من صديق في نفس الوقت، وخصوصا إذا كان الشخص صادق الود صاف القلب نقي الروح، تظهر على جوارحه مشاعره التي تختلج في قلبه، ولا يقول لسانه عكس ما يضمره قلبه، وربما هذا المعنى البعيد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن يأكل في معي واحدٍ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء) رواه البخاري

ففي هذا الحديث إشارة إلى أن المؤمن- يعني الشخص الصافي القلب- له كفاية واستكفاء من صداقة واحدة فقط، أما غير المؤمن، فهو لا يستكفي بصداقة واحدة، إنما يسعى لاكتساب أكثر من صديق كي يشعر بالكفاية، ومع هذا لن يشعر بها.!

والصداقة تحتاج إلى بذل الجهد والوقت والتعب والصبر، فهي كالزرع محتاج إلى السقي والعناية والإلحاح حتى يحين وقت جني الثمار..
وهي تشبه الكتابة أو المطالعة من جهة ما، حيث أن الصداقة كالكتابة والتأليف، فكما يبذل الشخص جهده في الكتابة والقراءة فكذلك يجب أن يبذل جهده في الصداقة، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الشخص يجب أن يقرأ بقوة وتركيز وحضور ذهن حتى يستفيد من قراءته فقال: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)(مريم12) وكذلك يجب أن نأخذ الصداقة بقوة ونهتم بها اهتماما خاصا..
كيف نأخذ الصداقة بقوة؟
إنني شخصيا أشعر بالحرج الشديد إذا تأخرت في الرد على رسالة صديق أرسلها لي، للتعليق على شيء كتبه أو لطلب رأي أو مشورة في أمر من الأمور. هذا على الرغم من أن الكتابة تستنزف كثيرا من وقتي وجهدي، الذي ربما كان من الأفضل- في رأي البعض- صرفه للقراءة في كتاب أو في تحبير بحث أو مقال..
وبالرغم من ذلك، فإني لا أهمل رسائل أصدقائي وأرد عليهم وأبذل جهدي أن تكون رسالتي صادقة وجادة. ولكم قطعت علاقتي بأشخاص لم يردوا على رسالة من رسائلي، لأن هذا الإهمال من جانبهم، يشي من طرف خفي، بأنهم غير مستعدين أن يعطوني من أوقاتهم مثلما أعطيهم من وقتي، فأدرك أنهم لا يستحقون صداقتي فأنساهم، وتصبح علاقتي بهم فاترة شبه مقطوعة، هذا إن لم تكن قد قطعت نهائيا؟
إن الصداقة تحتاج إلى مزيد من الجهد والتعب لأنها شيء عزيز ونفيس، ومن طبيعة الأشياء النفيسة أنها لا تنال إلا بالمشقة والتعب.. نحن اليوم في عصر الثقافة الالكترونية التي عودتنا على الدعة والكسل، فأصبح كل شيء يأتي إلينا ولا نذهب نحن إليه.
في القديم كان الناس يذهبون إلى السينما والمسارح ليشاهدوا عملا فنيا أو عملا مسرحيا، أما اليوم فإن المسارح هي التي جاءت إليهم في البيوت. وبهذا أصبحت الأعمال الفنية شيئا مبتذلا لا قيمة له، وتعود الناس على الدعة والكسل.
اليوم نجد أن قليلا من الأصدقاء من يبذل جهده أو يولي عنايته في قراءة الرسائل، خصوصا إن كانت لا تهمه بطريق مباشر، أما كانت تهمه فإنه يقرأها ثم يكسل في الرد عليها.

حقا إن الصداقة تكاد تكون معدومة في هذه الأيام لأنها صعبة تحتاج إلى مجهود، أما الحب فهو لا يحتاج إلى بذل مجهود، إنما هو يبدأ بالإعجاب الذي سرعان ما يتحول إلى أنانية وحب للسيطرة والاستحواذ..

كان الشخص قبل ظهور البريد الالكتروني، إذا أراد إرسال رسالة فإنه يكتبها على ورقة، ثم يعيد كتابتها مرات ومرات حتى يرضى عنها، ثم يقوم بتحسين خطه واختيار الورق الفاخر لها، ثم يبحث عن ظرف مناسب ليضعها فيه، ثم يذهب للبريد، ويضع عليها طوابع ثم يضعها في صندوق البريد، ثم ينتظر أن يذهب البريد بها إلى المكان المرسل إليه، وبعد هذا الجهد المبذول قد تصل وقد لا تصل، ونبقى في ترقب وانتظار لا ندري أوصلت أم لم تصل؟ 
أما الآن فالأمر جد يسير ومريح، فلا حاجة بنا إلى الورق ولا الطوابع ولا البريد ولا المظروف ولا النقود.. ومع هذا، بقي الكسل هو الكسل، وبقيت المشقة القديمة هي ذاتها المشقة التي نعانيها في كتابة الرسائل والرد على الأصدقاء، لأن الشح صفتان لصيقتان بالنفس الإنسانية لا تزولان إلا بالصبر والرياضة والجهد، كما يقول عز وجل: (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ، وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ؛ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)النساء128

0 التعليقات:

إرسال تعليق